الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.اللغة: {درجات} جمع درجة وهي المنزلة الرفيعة السامية.{البينات} المعجزات.{وأيدناه} قويناه من التأييد بمعنى التقوية.{روح القدس} القدس: الطهارة، وروح القدس {جبريل} عليه السلام وقد تقدم.{خلة} الخلة: الصداقة والمودة سميت بذلك لأنها تتخلل الجسد.{شفاعة} مأخوذة من الشفع بمعنى الضم، والشفاعة الانضمام إلى آخر ناصرا له وسائلا عونه. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال القرطبي: قوله تعالى: {تِلْكَ الرسل} قال: {تلك} ولم يقل: ذلك مراعاة لتأنيث لفظ الجماعة، وهي رفع بالابتداء.و{الرُّسُلُ} نعته، وخبر الابتداء الجملة. وقيل: الرسل عطف بيان، و{فَضَّلْنَا} الخبر. اهـ..قال الفخر: {تِلْكَ} ابتداء، وإنما قال: {تِلْكَ} ولم يقل أولئك الرسل، لأنه ذهب إلى الجماعة، كأنه قيل: تلك الجماعة الرسل بالرفع، لأنه صفة لتلك وخبر الابتداء {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ}. اهـ..قال الألوسي: {تِلْكَ الرسل} استئناف مشعر بالترقي كأنه قيل: إنك لمن المرسلين وأفضلهم فضلًا، والإشارة لجماعة الرسل الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فيه من معنى البعد كما قيل للإيذان بعلو طبقتهم وبعد منزلتهم، واللام للاستغراق، ويجوز أن تكون للجماعة المعلومة له صلى الله عليه وسلم أو المذكورة قصصها في السورة، واللام للعهد، واختيار جمع التكسير لقرب جمع التصحيح. اهـ..قال الفخر: في قوله: {تِلْكَ الرسل} أقوال:أحدها: أن المراد منه: من تقدم ذكرهم من الأنبياء عليهم السلام في القرآن، كإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب وموسى وغيرهم صلوات الله عليهم والثاني: أن المراد منه من تقدم ذكرهم في هذه الآية كأشمويل وداود وطالوت على قول من يجعله نبيًا والثالث: وهو قول الأصم: تلك الرسل الذين أرسلهم الله لدفع الفساد، الذين إليهم الإشارة بقوله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض} [البقرة: 251]. اهـ..قال في الميزان: قوله تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض}، إشارة إلى فخامة أمر الرسل وعلو مقامهم ولذلك جئ في الإشارة بكلمة تلك الدالة على الإشارةإلى بعيد، وفيه دلالة على التفضيل الإلهي الواقع بين الأنبياء عليهم السلام ففيهم من هو أفضل وفيهم من هو مفضل عليه، وللجميع فضل فإن الرسالة في نفسها فضيلة وهي مشتركة بين الجميع، ففيما بين الرسل أيضا اختلاف في المقامات وتفاوت في الدرجات كما أن بين الذين بعدهم اختلافا على ما يدل عليه ذيل الآية إلا أن بين الاختلافين فرقا، فإن الاختلاف بين الأنبياء اختلاف في المقامات وتفاضل في الدرجات مع اتحادهم في أصل الفضل وهو الرسالة، واجتماعهم في مجمع الكمال وهو التوحيد، وهذا بخلاف الاختلاف الموجود بين امم الأنبياء بعدهم فإنه اختلاف بالإيمان والكفر، والنفى والإثبات، ومن المعلوم أن لا جامع في هذا النحو من الاختلاف، ولذلك فرق تعالى بينهما من حيث التعبير فسمى ما للأنبياء تفضيلا ونسبه إلى نفسه، وسمى ما عند الناس بالاختلاف ونسبه إلى أنفسهم، فقال في مورد الرسل فضلنا، وفي مورد أممهم اختلفوا.ولما كان ذيل الآية متعرضا لمسألة القتال مرتبطا بها والآيات المتقدمة على الآية أيضا راجعة إلى القتال بالأمر به والاقتصاص فيه لم يكن مناص من كون هذه القطعة من الكلام أعني قوله تعالى: {تلك الرسل فضلنا} إلى قوله: {بروح القدس} مقدمة لتبيين ما في ذيل الآية من قوله: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم} إلى قوله تعالى: {ولكن الله يفعل ما يريد}.وعلى هذا فصدر الآية لبيان أن مقام الرسالة على اشتراكه بين الرسل عليهم السلام مقام تنمو فيه الخيرات والبركات، وتنبع فيه الكمال والسعادة ودرجات القربى والزلفى كالتكليم الإلهي وإيتاء البينات والتأييد بروح القدس، وهذا المقام على ما فيه من الخير والكمال لم يوجب ارتفاع القتال لاستناده إلى اختلاف الناس أنفسهم.وبعبارة أخرى محصل معنى الآية أن الرسالة على ما هي عليه من الفضيلة مقام تنمو فيه الخيرات كلما انعطفت إلى جانب منه وجدت فضلا جديدا، وكلما ملت إلى نحو من أنحائه ألفيت غضا طريا، وهذا المقام على ما فيه من البهاء والسناء والإتيان بالآيات البينات لايتم به رفع الاختلاف بين الناس بالكفر والإيمان، فإن هذا الاختلاف إنما يستند إلى أنفسهم، فهم أنفسهم أوجدوا هذا الاختلاف كما قال تعالى في موضع آخر: {إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} [آل عمران: 19]. اهـ..قال الفخر: قرئ: {كلم الله} بالنصب، والقراءة الأولى أدل على الفضل، لأن كل مؤمن فإنه يكلم الله على ما قال عليه السلام: «المصلي مناج ربه» إنما الشرف في أن يكلمه الله تعالى، وقرأ اليماني: {كالم الله} من المكالمة، ويدل عليه قولهم: كليم الله بمعنى مكالمه. اهـ.وقال الفخر:اتفقوا على أن موسى عليه السلام مراد بقوله تعالى: {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله} قالوا وقد سمع من قوم موسى السبعون المختارون وهم الذين أرادهم الله بقوله: {واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155] وهل سمعه محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج؟ اختلفوا فيه منهم من قال: نعم بدليل قوله: {فأوحى إلى عَبْدِهِ مَا أوحى} [النجم: 10]. اهـ..قال أبو حيان: وذكر التفضيل بالكلام وهو من أشرف تفضيل حيث جعله محلًا لخطابه ومناجاته من غير سفير، وتضافرت نصوص المفسرين هنا على أن المراد بالمكلم هنا هو موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آدم: أنبي مرسل؟ فقال: «نعم نبي مكلم» وقد صح في حديث الإسراء حيث ارتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقام تأخر عنه فيه جبريل، أنه جرت بينه صلى الله عليه وسلم وبين ربه تعالى مخاطبات ومحاورات، فلا يبعد أن يدخل تحت قوله: {منهم من كلم الله} موسى وآدم ومحمد صلى الله عليه وسلم، لأنه قد ثبت تكليم الله لهم.وفي قوله: {كلم الله} التفات، إذ هو خروج إلى ظاهر غائب من ضمير متكلم، لما في ذكر هذا الاسم العظيم من التفخيم والتعظيم، ولزوال قلق تكرار ضمير المتكلم، إذ كأن يكون: فضلنا، وكلمنا، ورفعنا، وآتينا. اهـ..قال الفخر: أما قوله تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ درجات} ففيه قولان:الأول: أن المراد منه بيان أن مراتب الرسل متفاوتة، وذلك لأنه تعالى اتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يؤت أحدًا مثله هذه الفضيلة، وجمع لداود الملك والنبوة ولم يحصل هذا لغيره، وسخر لسليمان الإنس والجن والطير والريح، ولم يكن هذا حاصلًا لأبيه داود عليه السلام، ومحمد عليه السلام مخصوص بأنه مبعوث إلى الجن والإنس وبأن شرعه ناسخ لكل الشرائع، وهذا إن حملنا الدرجات على المناصب والمراتب، أما إذا حملناها على المعجزات ففيه أيضًا وجه، لأن كل واحد من الأنبياء أوتي نوعًا آخر من المعجزة لائقًا بزمانه فمعجزات موسى عليه السلام، وهي قلب العصا حية، واليد البيضاء، وفلق البحر، كان كالشبيه بما كان أهل ذلك العصر متقدمين فيه وهو السحر، ومعجزات عيسى عليه السلام وهي إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، كانت كالشبيه بما كان أهل ذلك العصر متقدمين فيه، وهو الطب، ومعجزة محمد عليه السلام، وهي القرآن كانت من جنس البلاغة والفصاحة والخطب والأشعار، وبالجملة فالمعجزات متفاوتة بالقلة والكثرة، وبالبقاء وعدم البقاء، وبالقوة وعدم القوة، وفيه وجه ثالث، وهو أن يكون المراد بتفاوت الدرجات ما يتعلق بالدنيا، وهو كثرة الأمة والصحابة وقوة الدولة، فإذا تأملت الوجوه الثلاثة علمت أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان مستجمعًا للكل فمنصبه أعلى ومعجزاته أبقى وأقوى وقومه أكثر ودولته أعظم وأوفر.القول الثاني: أن المراد بهذه الآية محمد عليه السلام، لأنه هو المفضل على الكل، وإنما قال: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ درجات} على سبيل التنبيه والرمز كمن فعل فعلًا عظيمًا فيقال له: من فعل هذا فيقول أحدكم أو بعضكم ويريد به نفسه، ويكون ذلك أفخم من التصريح به، وسئل الحطيئة عن أشعر الناس، فذكر زهيرًا والنابغة، ثم قال: ولو شئت لذكرت الثالث أراد نفسه، ولو قال: ولو شئت لذكرت نفسي لم يبق فيه فخامة. اهـ.وقال الفخر:في تفسيره أقوال:الأول: قال الحسن: القدس هو الله تعالى، وروحه جبريل عليه السلام، والإضافة للتشريف، والمعنى أعناه بجبريل عليه السلام في أول أمره وفي وسطه وفي آخره، أما في أول الأمر فلقوله: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} [التحريم: 12] وأما في وسطه فلأن جبريل عليه السلام علمه العلوم، وحفظه من الأعداء، وأما في آخر الأمر فحين أرادت اليهود قتله أعانه جبريل عليه السلام ورفعه إلى السماء والذي يدل على أن روح القدس جبريل عليه السلام قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس} [النحل: 102].والقول الثاني: وهو المنقول عن ابن عباس أن روح القدس هو الاسم الذي كان يحيي به عيسى عليه السلام الموتى.والقول الثالث: وهو قول أبي مسلم: أن روح القدس الذي أيد به يجوز أن يكون الروح الطاهرة التي نفخها الله تعالى فيه، وأبانه بها عن غيره ممن خلق من اجتماع نطفتي الذكر والأنثى. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقتتل الذين مِن بَعْدِهِم} أي من بعد الرسل.قيل: الضمير لموسى وعيسى، والاثنان جمع.وقيل: من بعد جميع الرسل، وهو ظاهر اللفظ.وقيل: إن القتال إنما وقع من الذين جاءوا بعدهم وليس كذلك المعنى، بل المراد ما اقتتل الناس بعد كل نبيّ، وهذا كما تقول: اشتريت خيلًا ثم بعتها، فجاز لك هذه العبارة وأنت إنما اشتريت فرسًا وبعته ثم آخر وبعته، ثم آخر وبعته، وكذلك هذه النوازل إنما اختلف الناس بعد كل نبيّ فمنهم من آمن ومنهم من كفر بغيًا وحسدًا وعلى حطام الدنيا، وذلك كله بقضاء وقدر وإرادة من الله تعالى، ولو شاء خلاف ذلك لكان ولكنه المستأثر بِسرّ الحكمة في ذلك الفعل لما يريد. اهـ.
|